Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

اخيرا في البيت inside

 

بقلم: سامي يعقوب

       لعل أغلبنا، إن لم يكن جميعنا، قد اختبرنا التمتع بالذهاب في رحلة أو إجازة تطول أو تقصر أيامها، لكن سريعًا يحين الوقت الذي نترك فيه كل ما نستمتع به، ونبدأ رحلة العودة إلى البيت. أحيانًا تسير الأمور بسلاسة، وفي أوقات أخرى، وبينما نحن مرهقون من السفر، تواجهنا صعوبات في الطريق لم نكن نتوقعها. لكننا نصل أخيرًا إلى البيت.. المكان الذي ننتمي إليه، ولا نجد راحتنا إلا فيه!

ما أشبه هذا برحلتنا إلى الأبدية! فنحن في الواقع ضيوف وغرباء في هذا العالم (١ بطرس٢: ١١).. بالرغم من كل ما نستمتع به هنا، خاصة مع أسرتنا وأصدقائنا، فإن الحياة لا بد أن تقودنا في النهاية إلى وجهتنا الأخيرة.. وطننا الأبدي. قد تكون الرحلة الأخيرة قصيرة مع البعض، فيمضون كطَيف يَعبر أمامنا سريعًا ثم يختفي، أو قد تكون رحلة صعبة نتوحد فيها مع الأحباء في مرضهم، وآلامهم الجسدية، والنفسية، ونختبر خيبة الأمل ووجع القلب بينما نقف بالقرب منهم عاجزين عن أن نفعل أي شيء يرفع عنهم معاناتهم.

       الحياة في ضوء ظروف جائحة كورونا قد تبدو كبحر مضطرب عاصف، وهذا الوصف قد يعني لك شيئًا، خاصة إن كنت تفكر مثلي: تُرى كيف ستكون رحلة العمر الأخيرة؟ وهل سيكون الأمر أقرب مما أتوقع، كما حدث مع الكثيرين الذين يسبقوننا يوميًا إلى لقاء الرب؟ لا شك أن مفاجآت كورونا التي تخطف أحباءنا على غير توقع تثير فينا تساؤلات يعجز العقل البشري عن إجابتها، وقد تجعلنا نظن أن الله غير مهتم بما يحدث في حياتنا. ولقناعتي أن هذا لا يعني عدم وجود إجابات شافية لتساؤلاتنا؛ فإنني أستعين كل يوم بالكلمة المقدسة في التعامل مع مشاعر الحزن حتى لا تمزقني، وأقاوم بالصلاة حيرتي حتى لا تُضعف إيماني؛ فهذا ما يقوله الروح القدس على فم بولس الرسول: «لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم؛لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع، سيُحضرهم الله أيضًا معه» (١تسالونيكي ٤: ١٣ـ ١٤).

       الله يشعر بعمق آلامنا وأحزاننا، ويتألم معنا بنفس القدر، بشكل يفوق إدراكنا. كذلك لا يُغضبه أن نتساءل في حيرتنا: "لماذا سمحت لهذا أن يحدث معنا؟" في القديم، جرَّب أيوب أن يوجه هذا السؤال إلى الله. والمذهل أن الله لم يُجبه بشرح أسباب ما أصابه من ألم، وفي نفس الوقت لم يوبخه على حماقة سؤاله؛ بل تعاطف مع آلامه، ووزن كلماته وأحاسيسه بميزان الشفقة! في الواقع، لقد جاءت إجابة الله على السؤال في سلسلة من الأسئلة التي لم يستطع أيوب أن يجيب عليها، والتي سجلها الوحي المقدس في ثلاثة إصحاحات كاملة قرب نهاية السفر المعروف باسمه (أيوب ٣٨ـ ٤١). لقد أظهرت الأسئلة الإلهية عجز أيوب عن معرفة مدى عظمة وقدرة الله؛ فاتضع وسكت. والأهم من ذلك أنه أدرك في النهاية أن الله حاضر في حياته بشكل مباشر، وأنه لم يتخلَّ عنه للحظة؛ فأجاب على الرب: «عرفتك قادرًا على كل شيء فلا يتعذَّر عليك أمر. أخفيت مشورتك ولم تَبُح بها. فتكلمتُ بكلام باطل على معجزات لا أدرك مغزاها، وعجائب فوق متناول فهمي. اسمع.. فلي بعد ما أقوله، وما أسألك عنه فأَخبِرني. سمعت عنك سمع الأذن، والآن رأتك عيني» (أيوب ٤٢: ٢- ٥ الترجمة العربية المشتركة).

       من الطبيعي في مسيرتنا مع الرب ألا تنتهي دائمًا إحباطاتنا الروحية باستنارة تجعلنا نفهم مقاصده، ولا دقة وكمال توقيتات ما يعمله، مثلما حدث مع أيوب! هناك إحباطات وأسئلة يجب أن نضعها تحت عنوان "أمور لا نفهمها"، ونتركها إلى حين. وفي مثل هذه الحالات، يجب أن نكون شاكرين وواثقين أن الله يفعل لنا الأفضل، سواء كان ما يفعله يتفق أو يتعارض مع ما نريده أو نتمناه. إننا بحاجة للاعتراف بأن رؤيتنا لله ضيقة للغاية؛ فنحن البشر نعجز عن تخيل أو فهم قدرته وحكمته اللتين لا تُستقصيان، وكيف أنه لا يفاجأ أبدًا بما يحدث معنا أو حولنا.. فمكتوب عنه: «لك يا رب الملك، وقد ارتفعت رأسًا على الجميع.. الغنى والكرامة من لدُنك (من عندك)، وأنت تتسلط على الجميع، وبيدك القوة والجبروت، وبيدك تعظيم وتشديد (عزيمة) الجميع» (١ أخبار الأيام ٢٩: ١١- ١٢). إن كنا نفهم بحق عظمة إلهنا، وعمق محبته لنا، فسنستطيع أن نَقبل بالإيمان الأوقات التي يتعارض فيها ما يحدث لنا مع ما نتوقعه منه، والذي لا يتفق بالضرورة مع المنطق والإدراك البشري.. وإنني أتطلع، مثل الكثير من المتألمين، إلى حوار طويل مع الرب عندما نصل إلى الجانب الآخر من الحياة، في اللقاء السماوي معه، الذي سيستمر إلى الأبد.. عندئذ فقط سنفهم.

       في يوم ما سنخطو على شاطئ ونكتشف فجأة أننا في السماء.. سنشعر بلمسة يد على كتفنا ونجدها يد المسيح.. سنأخذ نَفَسًا عميقًا من هواء جديد، ونجده سماويًّا! هذا اختبار كل الذين سبقونا وقد وضعوا إيمانهم فيما عمله المسيح من أجلهم في الجلجثة، ويمكن أن يكون اختبارك أنت أيضًا إذا جئت إلى الصليب وقبلت ما عمله المسيح من أجلك.

إن غفوة الموت لحظية سنستيقظ بعدها في المجد، ونرى الرب يسوع وجهًا لوجه.. عندئذ سنعرف ما معنى أن الموت قد ابتُلع بغلبة، وأن شوكته قد كُسرت، وأن القبر قد انهزم، فنهتف: ”هللويا.. أخيرًا في البيت!“


 

(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣٠ مايو/أيار ٢٠٢١)

 

Copyright © 2021 Focus on the Family Middle East. All rights reserved