Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

            انتهت أيام الصوم المقدس، وغدًا ندخل إلى أهم أسبوع في حياة الكنيسة والمؤمنين بالمسيح؛ حيث نركز على أحداث الأيام الأخيرة من حياة المسيح على الأرض. الصلوات في الكنائس، نصًا وطقسًا، لها طابع خاص.. في خميس العهد تُغسل الأرجل ونتناول، ثم ننقطع عن الطعام وكل أنشطتنا المعتادة طوال يوم الجمعة العظيمة (وليست الحزينة)؛ ونشترك معًا في ترديد الصلوات وقراءات الساعات المختلفة من النبوات والمزامير والأناجيل، في توحد روحي فريد يأخذنا مباشرة إلى سر ما يجعلنا مسيحيين: «الله بيّن  محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح من أجلنا.. فبالأولى كثيرًا ونحن متبررون الآن بدمه نخلُص به من الغضب! لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيرًا ونحن مصالحون نخلُص بحياته (بقيامته)!» (رومية ٥: ٨ - ١٠)

 

         أسبوع البصخة بلا شك من أقدس أيام السنة؛ لكن بركة معايشة رحلة آلام المسيح من دخوله الانتصاري إلى أورشليم وحتى خروجه الانتصاري من قبر الموت لابد أن تمتد من الكنيسة إلى البيت. صلوات البصخة في الكنيسة يميزها روح شركة الجسد الواحد؛ أما البصخة التي في بيتك فتأتي بروح جديدة إلى حياة الأسرة، وتعطي للطقس الكنسي بُعدًا حياتيًا، يُعاش خارج جدران الكنائس.

         طقوس عيد الفصح في العهد القديم كانت تمارس أيضًا في البيت وفي الهيكل. فلمدة أربعة أيام قبل الفصح كان خروف الذبيحة يُختبر للتأكد من أنه بلا عيب، في إشارة إلى الأيام التي ظل فيها الكتبة والفريسيون والصديقيون يختبرون المسيح، الذي أجاب على جميع أسئلتهم، وأثبت أنه كان بلا عيب. في ليلة العيد كانت كل عائلة تأكل وجبة الفصح معًا، كما فعل الرب يسوع مع تلاميذه مساء يوم الخميس. ثم في الساعة التاسعة في اليوم الأول من العيد، كانت ذبيحة الفصح تقدم في الهيكل، وهو نفس الوقت الذي قُدمت فيه ذبيحة المسيح على الصليب. لقد قصد الله ألا يكون احتفال الشعب بالفصح مجرد طقس ديني يتممونه بشكل تلقائي في الهيكل من عام لآخر، ثم يمضون إلى حال سبيلهم؛ بل أراداهم أن يعايشوا في كل عيد أحداث تحريرهم من ذل العبودية في مصر، حتى لا ينسوا ما فعله لأجل خلاصهم. ويحكي التقليد عن الكثير من الطقوس والأنشطة العائلية التي كانت تمارس في أسبوع الفصح، الذي يقابل «أسبوع الآلام» في عهد الكنيسة.

         كمسيحيين لسنا في حاجة اليوم أن نمارس طقوس الفصح اليهودي، فنفتش في أركان بيوتنا المظلمة عن أي أثر للخميرة التي ترمز للشر لنتخلص منها، كما كانوا يفعلون لرغبتهم أن يعيدوا بقلب خال من الشر.. فالمسيح فصحنا قد ذُبح لأجلنا؛ فلنعيد إذن لا بخميرة الشر والفساد بل بفطير الإخلاص والحق. لكننا في حاجة لممارسة إحدى تلك التقاليد القديمة لننقل بها ميراث إيماننا لأبنائنا.. فقد كانت العادة أن تبدأ وليمة الفصح القديم بالسؤال: ”لماذا نحتفل بهذا العيد؟“ عندئذ كان رب الأسرة يقرأ من الكتب المقدسة كل ما يحكي عن افتداء الله لشعبه. ولم يكن الأمر يتوقف عند مجرد إعادة قراءة تلك النصوص، بل كان الحوار بين الكبار والصغار يمتد ليربط بين أحداث الماضي وتحديات الحاضر، وكيف يمكن لنفس القوة الإلهية التي خلصت الآباء في الأمس، أن تعمل في داخلهم لتقويهم اليوم، وتشجعهم بالرجاء لانتظارهم مجيء المسيّا المخلِّص في الغد.. كما كانوا يرنمون المزامير، مثل تلك التي رنمها يسوع مع تلاميذه قبل أن يخرجوا إلى بستان جثسيماني.. هكذا نمارس «البصخة» في البيت.

         في هذا الأسبوع أتطلع للاشتراك في صلوات كنيستي، وللتمتع بها أيضًا مع أسرتي.. فقد اعتدنا منذ سنين أن نملأ بيتنا بدفء روحي من نوع خاص بقراءة النصوص الكتابية التي تقربنا من شخص المسيح في رحلة آلامه، وتأخذنا حواراتنا عن الصليب بعيدًا عن كل أنشطتنا وأحاديثنا المعتادة.. فنقضي أيامًا بدون تليفزيون و«فيسبوك»، وبأقل قدر من مكالمات التسلية التليفونية مع الأصدقاء، وطوال اليوم ننشغل بالتفكير في ابن الله الذي مات من أجلنا، وقام من أجل تبريرنا. بركة الاقتراب من المسيح سواء في بصخة الكنيسة أو البيت، بالتأمل الجاد وبخشوع في الكلمة المقدسة، يدفعنا للتواضع أمام المسيح المصلوب، ويوسع معرفتنا بمحبة الآب الذي اختارنا وباركنا فيه قبل تأسيس العالم، ويتيحنا لعمل الروح القدس داخلنا فيغير حياتنا.

         في هذا الأسبوع هناك فرصة عظيمة ومتاحة لكل مَنْ يرغب لينال تعزية لا تقاوَم بالتأمل في آلام وصلب وقيامة المسيح.. فهنا بلسان لكل جرح، وتهدئة لكل حزن، ودواء لكل ألم. هل تريد أن ينتهي حزنك؟ هل تشتاق لأن تمتلئ نفسك بالتعزية، وتهدأ أمواج أحزانك العميقة لافتقادك لحبيب خطفه الموت منك بدون استئذان؟ هل أنت مثقل بالأعباء والهموم، وتريد أن تعلو فوق أمواج الفشل والإحباط المتلاطمة، لتبدأ من جديد بعزيمة لا تخور؟ هل تفتقد للسلام والبهجة داخلك، ولاتزال تعيش في خصام مع نفسك ومع الآخرين؟ هل تنتظر أن تسمع كلمات سلام إلهي تخرج من وسط التجارب والمحن؟ أدعوك ألا تدع هذا الأسبوع يمضي قبل أن تتصالح مع شريك حياتك، وتُرجع أبناءك البعيدين عنك مرة أخرى إلى حضنك، وتوصل من جديد الخيط المقطوع مع جيرانك أو زملائك، وتزور شخصًا لا يتوقع منك تشجيعًا، وتعطي محتاجًا لا تنتظر منه أن يرد لك. لا تدع هذا الأسبوع يمضي دون أن تغمر نفسك في بحر محبة الله الذي لا يُعبر، وتختبر قوة الصليب لتحررك من قيودك وشكوكك ومخاوفك وخطاياك، وتسمح لقوة القيامة أن تنعش وتجدد حياتك، فتصبح إنسانًا جديدًا. لا أعرف وقتًا في كل أيام السنة يمكن أن تتحقق فيه هذه المعجزات في حياتنا مثل أسبوع الآلام.

         ماضينا انتهى عند الصليب، ومستقبلنا بدأ مع القيامة.. أما حاضرنا فيتجدد يومًا بعد يوم بعمل الروح القدس فينا. وحتى نتهلل معًا في فجر الأحد القادم منشدين: ”المسيح قام.. بالحقيقة قام“.. كل عام وأنتم بخير.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٩ إبريل/ نيسان ٢٠١٧)

Copyright © 2017 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول