Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

المزيد من هذه السلسلة:

أخطاء الآباء وتربية الأبناء ١            أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٢            أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٣

أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٤           أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٥             أخطاء الاباء وتربية الأبناء ٦

 


       ”لماذا الحديث عن أخطاء الآباء، بدلا من تقديم النصح عن كيفية تقويم أخطاء الأبناء؟  لا يمكن أن نقلل من أهمية أحد الأمرين على حساب الآخر.. ربما في غمرة الحديث عن كيفية التعامل مع مشاكل الأبناء، ننسى أننا كآباء لسنا كاملين،  وأن أكثرنا إخلاصًا وتكريسًا لأبنائه يمكن أن يرتكب أخطاءً في التربية سواء بسبب الغضب أو سوء التقدير، أو لقلة معرفتنا وعدم اهتمامنا بأن نسأل لنستنير.

 

المشجع أن العلاقة بين الوالدين والأبناء تسودها المرونة بصفة عامة؛ فإن كنا لا نستطيع أن نُرجع عقارب الساعة لنمحو تلك اللحظات التي أخطأنا فيها، يمكننا بقليل من التروي ومراجعة النفس أن نتجنب تكرارها، ونتعلم منها ما يمكن أن يدعم العلاقات بين أفراد الأسرة، ويقوي روابط الحب التي تجمعنا مع أولادنا.
   

    الله لم يدعنا لأن نعبد أبناءنا، بل أن نحبهم ونؤدبهم فيكبرون في معرفته، ويسلكون في مخافته. عندما يكون الأبناء مركز العالم بالنسبة لنا، وحولهم تدور كل اهتمامات حياتنا.. عندما نجعل منهم النبع الأوحد لسعادتنا، وتصبح تلبية كل طلباتهم هو ما يجعلنا نشعر بالرضا.. عندما نتحيز لهم عن حق أو بدون حق، ونفترض دائمًا أنهم أفضل من غيرهم، وأن ما يفعله أبناء الآخرين لا يمكن أن يفعلوه.. ماذا تكون النتيجة؟ بدون زعل سيكبر أبناؤنا أنانيين يصعب توجيههم، ومتكبرين لا يقبلون أن يحاسبهم أحد على سلوك، أو يُقوم اختيارًا يصنعونه لحياتهم.. ثم ماذا؟ ثم نفاجأ بالكوارث، ونبكي بعد فوات الأوان!

    أحد أكثر الأمثلة الكتابية المخيفة لنتائج التربية التي تقوم على ظن الأبوين أن أبناءهم غير معرضين لأي شر، وبالتأكيد لا يفعلون أي شر، هو ما نقرأه في سفر صموئيل الأول والأصحاح الثاني عن عالي الكاهن وابنيه الفاسدين حُفني وفينحاس.. والقصة باختصار أن الابنين استغلا عملهما للربح الجشع والدعارة! كان الترتيب الإلهي أن يأخذ كهنة العهد القديم ما يحتاجونه لطعامهم من الذبائح التي يأتي بها الشعب لتقديمها للرب، لكن حُفني وفينحاس لم يتبعا وصية الرب؛ فكانا يأخذان من الذبائح ما لا يحق لهما أن يأخذاه، وكانا يفعلان ذلك بالعنف والتهديد؛ فكانت خطيتهما «عظيمة جدًا أمام الرب؛ لأن الناس استهانوا بتقدمة الرب» (١ صم ٢: ١٧). كان عالي رئيسًا للكهنة، وظل في هذا المنصب حتى شاخ جدًا، وعندما سمع عما يفعله ابناه مع الشعب، وكيف أنهما كانا أيضًا يزنيان مع النساء اللاتي يجئن للعبادة عند باب خيمة الاجتماع، كان رد فعله غير متوقع كأب لابد أن يكون مسؤولا عن أفعال ابنيه، أو كرئيس للكهنة له السلطان أن يطردهما من وظيفتيهما، بل وأن يحكم عليهما بالموت رجمًا.

    عندما أقرأ كيف تحدث عالي مع ابنيه بليونة عن سلوكهما البشع، يُخيل لي أنه كان من صنف الآباء أصحاب نظرية ”كُله إلا ابني!  “   فقد قال لهما: «لماذا تعملون هذه الأعمال؟ وما هذا الخبر القبيح الذي أسمع عنكم من جميع الشعب؟ لا يا أبنائي، فهذه السمعة غير حسنة، وأنتم تدفعون شعب الرب إلى المعصية»  (١صم ٢: ٢٣ - ٢٤ الترجمة العربية المشتركة  ) . أما رد فعل الابنين فلم يختلف كثيرًا عن أسلوب عتاب الأب لهما.. ولم لا؛ فلكل فعل رد فعل مساو له في القوة، ومضاد له في الاتجاه.. فبعدم مبالاة «لم يسمعوا لكلام أبيهم!» (عدد ٢٥).


التربية المقدسة ٢

    تُرى ما رأيك في موقف عالي من ابنيه؟ من الواضح أن مكانتهما في حياته كانت أعلى من مكانة الله، ومحبته لهما أعمته عن أن يرى خطيتهما، وأفقدته القدرة أن يتخذ أي موقف ليُقومهما ويؤدبهما. وبالرغم من أن الرب قد أرسل له مَنْ يحذره برسالة قاسية، ويقول له: «لماذا فضلت بنيك عليَّ؟… الذين يستهينون بي يهانون… تأتي أيام أعاقبك فأزيل فيها كل شاب في بيتك وعشيرتك فلا يشيخ منه أحد…» (الأعداد ٢٩ - ٣٥ )، لا يسجل لنا الوحي المقدس أن عالي أبدى أي رد فعل لهذا التوبيخ ولنبوءة هلاك ابنيه.

    في نفس الوقت، كان الصبي صموئيل يخدم الرب في الخيمة بجوار عالي.. وكلَّمه الله في إحدى الليالي، وأخبره بأنه سينفذ كل ما تكلم به عن نسل عالي الذي كان «يعلم أن بنيه قد أوجبوا اللعنة على أنفسهم، ولم يردعهم» (٣:  ١٣). وعندما عرف عالي ما قاله الرب لصموئيل، قال بعدم اهتمام: «هو الرب ما يحسن في عينيه يفعل» (٣ :  ١٨)!


وبقية القصة نقرأها في الأصحاح الخامس.. فقد انكسر الشعب أمام الأعداء، الذين استولوا على تابوت العهد وأخذوه إلى بلادهم. وعندما سمع عالي هذه الأخبار، وأن ابنيه قد قتلا في المعركة، سقط عن الكرسي الذي كان يجلس عليه فانكسرت رقبته ومات. وقد كانت زوجة فينحاس حُبلى وحانت ساعتها لتلد، فلما سمعت أن الأعداء أخذوا تابوت العهد، وأن حماها وزوجها ماتا، انقلب مخاضها عليها وأشرفت على الموت، ولما ولدت قالت لها الواقفات حولها: ”لا تخافي لأنك ولدت ابنًا!
  “   فما اهتمت، وسمت الصبي «إيخابود» أي «زال المجد!» ما أقسى هذه النهاية لقصة أسرة لم يهتم الأب فيها بتأديب ابنيه.. لقد زال المجد!

    قبل أن تتسرع بإدانة أسلوب عالي في تربية ابنيه، توقف قليلا للتفكير في صدق، واسأل نفسك: هل تعتقد أن أبناءك معفيون لسبب أو آخر من إمكانية السقوط في الخطية؟ هل ترفض هذه الفكرة، وتستبعدها، أم أنك تتجاهلها؟ إجابتك على هذين السؤالين لابد أن تنبهك لما تحتاج أن تفعله قبل أن يأتي يوم فيه يزول المجد عن أسرتك.

    قبل ربع قرن من الزمان، بينما كنا نخطط للكيفية التي سنربي بها أبناءنا، توقفت مع زوجتى بجدية لنسترشد بوصية بولس الرسول لتيموثاوس: «فاثبت أنت على ما تعلمته علم اليقين، عارفًا عمَّنْ أخذته. فأنت منذ طفولتك عرفت الكتب المقدسة، القادرة على أن تزودك بالحكمة التي تهدي إلى الخلاص، بالإيمان الذي في المسيح يسوع» (٢ تيموثاوس ٣ : ١٤ - ١٥ الترجمة العربية المشتركة)..  فلم تبرح كلمة الله من غرفة معيشتنا، ولم تغب عن حديث قبل النوم مع كل ابن عندما كنا نأخذه إلى سريره.. لم نجلس مرة حول مائدة لنأكل معًا، أو جمعتنا سيارة في رحلة طويلة أو قصيرة، دون حوار عن علاقة كلمة الله بتحديات حياتنا اليومية. واليوم، وبعد مضي السنين، يمكنني أن أشهد بثقة أننا لم نفشل في تربية ابنين باركنا بهما الرب.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٨ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٥)

.Copyright © 2015 Focus on the  Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول