Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب
للمزيد من هذه السلسلة:

الدرجة أم الشخصية ١               الدرجة أم الشخصية ٢              الدرجة أم الشخصية ٣

الدرجة أم الشخصية ٤               الدرجة أم الشخصية ٥              الدرجة أم الشخصية ٦


 حكت معايا مارجو إزاي كان صعب على ابنها إنه يحفظ «جدول الضرب» بالطريقة التقليدية.. بحثت في «النت»، ووجدت طريقة تحفيظ خلاقة باستخدام أصابع اليد. «نور» عبقري صغير بيحب يتفرج على صور في كتب بابا لها علاقة بدرس العلوم إللي سمعه في المدرسة.. تاني يوم يفاجىء معلمته إنه فاهم أكتر من زملائه، مش بس حافظ.
 

يوسف في مرحلة الثانوي ماكنش يقدر يركز أكتر من نص ساعة، بعدها لازم يقوم يعمل أي حاجة، قبل ما يرجع للمذاكرة بتركيز نص ساعة تاني.. أمه الواعية فهمت طبيعته ولم تقاومها، وعرفت إزاى توظفها وتشجعه يكتر من فترات التركيز القصيرة، ولما كبر طلع السابع على دفعته في البكالريوس!

حتى باسل، إللي لسه طالب في الجامعة، مقدرته على التحصيل تعتمد على إنه يلخص بالكتابة ما يسمعه في المحاضرة.. ورده على السؤال: مش بأشوفك بتذاكر ليه؟ مقنع، يقول: ”من فضلكم حاسبوني بالنتائج!“ والمفاجأة إن النتيجة هايلة، مع إنه مش بيذاكر بالطريقة إللي كتير من الأهالي بيجبروا أولادهم عليها!

 

ماذا تعني هذه الاختبارات المأخودة عن واقع حقيقي يعايشه آباء وأمهات مع أبنائهم في مراحل الدراسة المختلفة؟ الإجابة ببساطة: "أصابع اليد مش زي بعض"، ومثلهم أولادنا أيضًا لا يتعلمون بأسلوب واحد!

 

عبقرية ابناينا

 

لا يخفى على أحد أن من أكبر التحديات التي يواجهها أبناؤنا في التعليم هو استخدام نمط واحد في التدريس.. ألا وهو التلقين.  ومن المؤسف أن مقياس النجاح المعتمد من الوزارة والأهل هو مقدرة التلميذ على «طرش» أقرب نص لنموذج الإجابة في ورقة الامتحان، دون أن يمثل ما أجاب عليه أي معرفة حقيقية تضيف إلى شخصيته أو للمهارات التي يحتاجها لحياته! نحن في حاجة لمواجهة أنفسنا بحقيقة أن التعليم في بلادنا يشبه قطار  "درجة تالتة" يسير في اتجاه واحد على قضبان أسلوب التعليم التقليدي، حتى "يخزن" أمام شباك مكتب التنسيق! وفي الطريق الطويل تدهس عجلاته تباين قدرات الأفراد على التعلم التي وهبها الخالق لهم بحسب ما قصده بحكمته لنوعية شخصياتهم. والسؤال هنا إذا أردنا أن نرى ثمر تعب الأيام مع الأبناء في كفاءة شخصياتهم، وليس في مجرد حصولهم على شهادة قد تسهم أو لا تفرق في تحقيق نجاحهم وضمان سعادتهم.. هل هناك ما يمكن أن نعمله؟

 

مقدرة الوالدين على فهم الأنماط المختلفة للتعلم، وكيف أنها تختلف من شخص لآخر يمكن أن تجعل من فترة الدراسة خبرة أفضل للأبناء والوالدين على حد سواء! التعلُّم ليس من الأشياء التي يمكن أن يُطلق عليها «مقاس واحد للجميع».. فالأبناء  يستقبلون المعلومات ويفهمونها بأساليب مختلفة ترتبط بالطبيعة التي ولدوا عليها. وقد لخص خبراء التربية هذه الأنماط في ثلاثة أنواع رئيسية هي: السمعي، والبصري، والحسي. واذا استطاع الوالدان التعرف ببساطة على النمط الأفضل الذي يستوعب به الابن أو الابنة المعلومة، سيمكنهم مساعدته على التعلم باستمتاع وسهولة.. علمًا بأننا نميل تلقائيًا لاستخدام النمط الذي ننتمي إليه نحن الكبار عند مساعدة الصغار على الاستذكار. على أية حال، قبل أن تحاول تصنيف أنماط التعلم لأبنائك، أو حتى لنفسك، لابد أن تتذكر أنه مع وجود نمط تعلم سائد لدى كل واحد منا، إلا أننا بالطبع لازلنا نستخدم ولو قليلا من الأنماط الأخرى غير السائدة في شخصياتنا، بينما نعيش ونتعلم في العالم المحيط بنا.

 

الأبناء أصحاب «النمط السمعي» يتعلمون من خلال الاستماع للآخرين، والحديث عما يتعلمونه.. يتذكرون المعلومات التي يقرأونها بصوت مسموع، ويحتاجون لأن تُحكى لهم الدروس قبل أن يطلب منهم مذاكرتها أو حل الواجب المنزلي عليها. قد يصعب على هذه الفئة اتباع التعليمات المكتوبة، لكنهم يستمتعون بالمذاكرة مع الآخرين.. فبينما يتناقشون معًا يتعلمون. قد يبدو ظاهريًا أنهم لا يلتفتون لمن يتحدث إليهم، لكن مهارات الاستماع لديهم عادة ما تكون أقوى مما نظنه فيهم.

 

الأبناء أصحاب «النمط البصري» يتعلمون بالمشاهدة.. ويعتقد خبراء التربية أن هذا النمط هو الأكثر انتشارًا في مجتمعاتنا. أبناؤنا الذين ينتمون بطبيعتهم إلى هذا النمط يحتاجون دائمًا أن ترى أعينهم ما سيفكرون فيه، سواء بالصور أو بالكلمات.. وإلا لن تعني المعلومة شيئًا بالنسبة لهم، فيتهمون بالغباء! قد تجد من بين هذه الفئة مَنْ لديه ذاكرة فوتوغرافية؛ فيكفيهم أن يروا الشيء مرة واحدة ليتذكروا تفاصيله.. وأكثر ما يعانونه هو إصرار الوالدين على «الدح»؛ والتركيز على كم الوقت الذي يُقضى في الاستذكار.. وهكذا يعملون ضد طبيعة الأبناء، ويفسدون الموهبة التي باركهم بها الله. لنلاحظ أنهم يحبون استخدام الورقة والقلم لتسجيل ما يرونه أو يسمعونه.. وأحيانًا لمجرد «الشخبطة»، وهذا لا يعني أن تركيزهم أقل. كما يمكنهم التعامل جيدًا مع التعليمات المكتوبة، وقراءة اللوحات الإرشادية في الطريق بمهارة (إن وجدت!). من العبث أن نتوقع منهم فهم ما نشرحه عن كيفية تأدية عمل ما، أو حتى حل مسألة حساب بالأسلوب العقلي المجرد.. فلابد أن يروا الإرشادات أو الأرقام ليستوعبوا المطلوب.

 

أما أصحاب «النمط الحسي» فيحتاجون للتفاعل في عملية التعلم من خلال نشاط يستخدمون فيه أيديهم ويحركون أجسامهم.. الجلوس في الفصل زي «الألف»، وصلبهم في البيت على الكرسي لساعات طويلة للانتهاء من الواجبات المدرسية أو الاستذكار يكدرهم داخليًا.. فهم يتعلمون بشكل أفضل بينما يتحركون، والثبات في وضع واحد يُغلق عقولهم حتى ولو بدوا مصغين لما يُشرح لهم. يحبون لمس الأشياء وتفحصها، ويتذكرون كل ما يتعلمونه من خلال الاندماج في نشاط تعليمي. الخطير أن هذه الفئة قد تُشخص خطأ أحيانًا على أنهم يعانون من  اضطراب «الحركة المفرطة مع نقص التركيز»، كما يُتهم أصحابها كثيرًا بأنهم مثيرو شغب، مع أنهم طبيعيون، ويحتاجون فقط لمَنْ يفهمهم ويُتيح لهم فرصة التعلم بالطريقة التي تُمليها عليهم طبيعتهم.

 

ما نتمناه لأبنائنا هو ما يقوله سليمان الحكيم: ”قلب فهيم، وعقل متفتح يقتنيان المعرفة، وأُذُنُ الحُكماء التي تشتاق للعلم“ (راجع أمثال ١٨ :١٥). لكن يبقى سؤالان: هل هناك نمط رابع للتعلم؟ وكيف أكتشف النمط الذي ينتمي إليه ابني أو ابنتي حتى أساعده؟ الإجابة على السؤالين هي موضوع حديثنا في المرة القادمة.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣٠ مارس/ آزار ٢٠١٤)

Copyright © 2014 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 

ابناونا الصبيان كيف نربيهم بالطول