بقلم: سامي يعقوب

لا شك أن أبناءنا قد تعرضوا إلى ضغوطعاطفيةأثناء الأحداث الأخيرة في البلاد، والتي خيَّم عليها جو من عدم الاستقرار وفقدان الأمان. ومهمتنا اليوم كآباء وأمهات أن نتعامل مع ما أصاب أولادنا من مشاعر الاضطراب وعدم اليقين.. فالبشر بطبيعتهم يمتلكون القدرة على تجاوز آثار المواقف الصعبة إذا تعاملوا مباشرة وبحكمة مع مشاعر الخوف التي تصاحب مثل هذه الظروف. فكيف يمكن للأسرة أن تبني مرة أخرى وبالتدريج الثقة المفقودة نتيجة لاهتزاز الاستقرار أو الشعور بعدم الأمان؟

 

الأبناء -وبصفة خاصة الصغار منهم- يعكسون في مثل هذه الظروف مشاعر الكبار الذين حولهم.. لذلك فشعورهم بالأمان يبدأ من حيث ما يشعر به الوالدان، تمامًا كما أن الشعور بالطمأنينة والأمان في المجتمع كله يبدأ بتوفره داخل كل أسرة. لذلك نحتاج كآباء وأمهات أن نتحكم في مشاعر القلق ولا ننساق وراء عواطف تحركها إشاعات أو مبالغات إعلامية.

لخلق جو عام من الطمأنينة والإحساس بالاستقرار داخل البيت لنحاول أن نبقي أولادنا –بقدر المستطاع- داخل إطار الروتين اليومي المعتاد، ولنكن متاحين لهم لندعمهم عاطفيًا ومعنويًا.. لنستمع بإصغاء لما يعبِّرون عنه من مشاعر أو أسئلة، ولنفعل هذا بتلقائية لأن الاهتمام المبالغ فيه يوِّلد المزيد من الخوف. لنراقب الأبناء الذين قد ينسحبون ويمتنعون عن الكلام نتيجة لتراكم مشاعر القلق بداخلهم. لنقترب منهم ونحتضنهم لنشجعهم على التعبير عن مخاوفهم.. لا تقلل من شأن ما يشعرون به أو تستخف بمخاوفهم حتى وإن بدت غير معقولة  أو منطقية، فقبولك لمشاعرهم سيخرجهم بسرعة من دائرة الخوف والانسحاب.

في هذه الأيام هناك فرصة لأن تقضي الأسرة وقتًا أطول معًا.. فلابد أن نستغلها للتواصل مع أولادنا، بدلاً من الجلوس لمتابعة الأخبار لساعات طويلة. لنبادر لمناقشة موضوعات ربما لم يسبق لنا الحديث عنها. ابدأ الحوار بالاستماع إلى رأي كل من أبنائك، واقبل الأراء المختلفة، فالهدف هنا أن يعبِّر الأبناء عما بداخلهم. ثم انتقل لمناقشة مفاهيم مثل: حب الوطن، المواطنة والانتماء، مسئولية الأفراد في المجتمع، أفضل الطرق للتعبير عن الرأي، حقوق الإنسان، وكيف أن بلاد العالم لا يمكن أن تعيش اليوم في عزلة، فما يحدث في ركن فيه يُسمع، ويؤثر في البلاد الأخرى القريبة والبعيدة!

 

 لابد أن أبناءك قد توحدوامع مشاعر الألم العميق التي ملأت بلادنا بسبب استشهاد مجموعة من الشباب خلال أحداث الثورة.. ففي أسرتي لازلنا نبكي مع عائلاتهم في كل مرة نتابع صورهم أو نقرأ عن شجاعتهم. ربما أفضل إجابة على سؤال الأبناء (لماذا؟) هو أن نناقش معهم القيمة العظمى لتضحية أولئك الشهداء من أجل وطن أفضل، فالاستشهاد من أجل الوطن يساوي في قيمته استشهاد الشخص من أجل إيمانه.. فالإيمان يعلمنا أن ليس لأحد حب أعظم من أن يضحي بحياته من أجل أحبائه وأوطانه!

إن الله في حكمته لا يستبدل الظروف الصعبة بأسهل منها، لكنه يحولها بقدرته لتكون مصدر بركة وفرح للجميع، مولدة داخل الإنسان طاقة جديدة ليستمر في البناء و السعي للنجاح.. المرأة تحزن عندما تأتي ساعة آلام المخاض لتلد لكن بعد أن يولد طفلها لا تعود تتذكر تلك المعاناة لسبب فرحها بأن إنسانًا جديدًا قد ولد في العالم.. في ظل ما يحدث الآن نحتاج أن نؤكد لأولادنا تطبيقات هذا المفهوم الخالد، والذي يفتح طاقات من الأمل المتجدد لنا جميعًا.. فنحن كأسرة نعايش أيامًا فارقة في تاريخ بلادنا تبشر بميلاد وطن جديد، وغد يملأه الرجاء كنا نتطلع إليه منذ زمن طويل.  

 

أخيرًا .. إن الأزمات هي أفضل الأوقات التي يتمم فيها الله عمله وقصده في حياة الأفراد والشعوب .. فبينما لا يتمنى أحد منا حدوثها إلا أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الأزمات فرص أثمن من أن نضيعها بدون أن نستفيد منه كأسرة وكوطن .. فالأزمات قصيرة المدى لكنها لابد أن تأتي بالخير على المدى البعيد.


Copyright © 2011 Focus on the Family Middle East. All rights reserved