بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

يا بلادي.. أنا بحبك ١

يا بلادي.. أنا بحبك ٢


  "فاقد الشيء لا يُعطيه".. حكمة قديمة وجديدة لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن دور الأسرة في تعميق مشاعر الانتماء وحب الوطن لدى الأبناء، وأهمية دورهم في تشكيل مستقبله. فما أسهل أن نفقد مصداقيتنا، ويصبح حوارنا مع أولادنا غير مؤثر ما لم ينبع من قناعة صادقة أننا مدعوون لأن نثمر حيثما زرعنا الله.. هنا في مصر!

 

إن ثبات مشاعر الأبوين تجاه الوطن، ومستقبل تواجدنا فيه هي التي تُعمق الإحساس بالمواطنة لدى أولادنا. فربما فكر الكثيرون قبل ثورة ٢٥ يناير في السعي لترك البلاد بالهجرة؛ ومع بدايات الثورة التي هزت أركان البلاد، وانتقلت بها إلى عصر جديد تجدد الأمل، وأصبح مَنْ ينادون بالترك، متى أتيحت الفرصة، هم الذين يدعون للتمسك بالبقاء هنا! لكن مع اكتشاف أن ما بعد الثورة قد يُصاحبه ضيق ومضايقات، وأن تحقيق الأحلام يحتاج لمزيد من الوقت والصبر والمثابرة؛ رجع البعض إلى قديمهم، وفكروا مرة أخرى في ترك الوطن غير عالمين أن استبدال المكان لا يعني في الواقع سوى استبدال لنوع المشاكل والمضايقات والضغوط.

على أية حال مادمنا قد قررنا البقاء والتمسك بمصريتنا، ما علينا إلا أن ننفض عنا غبار التراجع والإحساس بالاغتراب أو الفشل؛ حتى نستطيع أن نقدم لأولادنا نموذجًا مؤثرًا للمواطنة. فصدق التوجه هو الذي ينمي في أولادنا كل يوم الإحساس بالانتماء إلى الوطن، ويعمق شعورهم بالفخر بمصريتهم، ويُشجعهم على التفاعل الإيجابي مع كل ما يحدث من تغيرات في البلاد. هذا المفهوم الصادق والنبيل للمواطنة الذي يُشتل في قلوب أبنائنا بينما نتحاور معهم في غرفة المعيشة هو الوقود المتجدد للحب غير المشروط لشركاء الوطن من جميع الأطياف، وإلا ما معنى الوصية "أن تحب قريبك كنفسك"؟ إن الحب للآخر النابع عن اقتناع أولادنا بأن الوطن يسعنا جميعًا بغض النظر عن اختلافاتنا لا يطور شخصياتهم فحسب، بل يُعدهم تدريجيًا ليكونوا مواطنين أفضل، ونموذجًا لأبناء جيلهم في هذا الوطن.

 

كل ابن وابنة، في مختلف الأعمار، يحتاج أن يشعر بالانتماء؛ وهذا الاحتياج لابد أن يُشبع أولاً داخل الأسرة التي تُحب بلا شروط، وتقبل بالرغم من التباين والاختلاف بين الشخصيات، أو التفاوت في القدرات. ثم يأتي دور المدرسة بما يُتاح فيها من الاختلاط بالآخرين وضرورة مشاركتهم اجتماعيًا من خلال الاحتكاك اليومي في التعلُّم، وممارسة الأنشطة، وتكوين الصداقات، عندئذ يتولد الإحساس بالانتماء لمجتمع أبعد من الجدران الأربعة للبيت.. وعندما يكبر الأولاد ويخرجون للعالم، لابد أن يقودهم هذا لإدراك أهمية الشعور بالانتماء للدائرة الأشمل.. دائرة الوطن.

 إن حب أبنائنا للوطن لا يزدهر، ولا يتعمق شعورهم بالانتماء إليه إلا في جو عام يؤكد لهم الإحساس بعظمة هذا الوطن، وأحقيته بأن يُحب ويُحترم. هذه المشاعرالتي افتقدناها لسنين تتولد بقوة وتبقى في وجدان الأبناء إذا تحدثنا معهم عن تاريخ بلادنا القديم والحديث؛ فكم من أبطال معروفين أو مجهولين ضحوا بحياتهم من أجل حرية وكرامة الإنسان المصري عبر التاريخ وحتى ٢٥ يناير.. مثل هذه الأحاديث تكون دائمًا مصدرًا مُوحيًا لأبنائنا ليشعروا بالفخر بمصريتهم. الحديث عن عظمة هذا التاريخ داخل الأسرة يعطيه بعدًا آخر. لابد أن تشمل أحاديثنا عن حب الوطن شرحًا لمعاني الرموز الوطنية مثل علم البلاد، وقيمته كرمز للوطن، والنشيد الوطني ومعاني كلماته، والأسباب وراء الأعياد القومية.

 

بقدر ما يجب أن نشجع أولادنا على أن يحبوا بلادهم، لابد أن نساعدهم ليدركوا أن الوطن ليس جزيرة مستقلة عن باقي بلاد العالم.. فالمواطنة في مفهومها الأشمل تتطلب الإدراك أن بلادنا الآن جزء من عالم يتفاعل أعضاؤه تأثيرًا وتأثرًا بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية؛ فالمواطنة المحلية تجعلني أحب بلادي وأنتمي إليها، والمواطنة العالمية تجعلني أدرك أن كل إنسان في العالم له قيمته أينما يعيش، وأيًا مَنْ يكون.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣ أبريل/ نيسان ٢٠١١)

Copyright © 2011 Focus on the Family Middle East. All rights reserved