بقلم: سامي يعقوب

لا شك أن التطور المذهل للأحداث في الوطن قد ملأ غرف المعيشة بكَم من الأفكار والأسئلة الجديدة، التي ربما لم يخطر على بال أي والدين أن تُطرح للمناقشة بمثل هذه القوة والانفتاح. وأخطر ما يمكن أن يأسر تفكير الآباء والأمهات ويفوت علينا فرصة استغلال الحراك الوطني الحالي في بناء شخصيات أبنائنا، ومساعدتهم على تحديد هويتهم المصرية هو اهتمامنا فقط بشأن سلامتهم وأمنهم الشخصي.

 ومع الإقرار بأهمية هذه الأولوية، والتي لها ما يبررها في ظل الظروف الأمنية غير المستقرة، إلا أننا بحاجة أن نُعد أبناءنا لمعايشة مرحلة جديدة قادمة على أساس تربوي متين يحرك تفكيرهم استعدادًا لمعايشة خيارات المستقبل أيًا كانت.. والتحدي الآن هو أن نحفزهم على تطوير سلوك شخصي يتناسب مع طموحات التغيير في المجتمع .

لقد نشأنا كآباء وأمهات في ظل الظروف التي سادت الوطن لعشرات السنين، والتي جعلت أغلبنا يعتقد تقليديًا بأن الحياة السياسية والاجتماعية يمكن أن تتغير بتغير أفكار وقلوب الأفراد! وقد يكون هذا لازمًا، لكنه تحول مع الشعور بالاغتراب إلى حالة من الركود السلوكي تجاه المجتمع؛ فأصبح تركيز الأسرة ينصب على النمو الروحي في حياة الأبناء من خلال أنشطة محددة، ولم تعد أحاديثنا تتطرق إلى أهمية دور الأفراد في المجتمع! ثم جاءت فترة وجدت الأسرة تشجيعًا على ضرورة أن يذهب أفرادها إلى صندوق الانتخاب لأن كل صوت يمكن أن يُسهم في الإتيان بالأشخاص الأفضل إلى موقع اتخاذ القرار.. ومع فساد السنوات الماضية لم يعد أغلبنا يهتم بأن يشجع أبناءه على التسجيل في الجداول الانتخابية !

إن تغير الوطن يحتاج للتغير في التوجه الفكري، ولا يزال وجود الأشخاص الأفضل في موقع القيادة يرتبط بلا شك بصندوق الانتخابات. لكن ما أصبح مؤكدًا بعد ثورة ٢٥ يناير أن التغيير الاستراتيجي للبلاد لا يمكن أن يحدث بدون الاشتراك العملي للأفراد، وعلى أرض الواقع في عملية التغيير .

إذا أردنا أن نكون جزءًا مما يحدث اليوم في بلادنا، نحتاج كأسر أن نؤكد لأولادنا، وعلى مختلف أعمارهم، أن التواجد الجاد والمخلص لكل منهم في موقعه هو السبيل لمستقبل أفضل. ففي علاقتنا مع جيراننا، وفي اختيارنا الإرادي لسلوك إيجابي مختلف في الشارع، تواجدنا في المدرسة أو الجامعة، في أماكن العمل أو في النادي.. في كل موقع يجب أن يدرك أولادنا أن ممارستهم لدورهم له أهمية، ورفضهم لكل سلوك أو موقف يتناقض مع إيمانهم وقيمهم الأسرية هو خطوة عملية للتغيير، عندما تتلاقي مع خطوات الآخرين ستشكل قوة تقاوم الفساد، وتقود البلاد لنجاح غير مشروط. في الواقع نحتاج كأسر لإدراك أن حياة الإيمان التي لا علاقة لها بما يحدث في المجتمع والسياسة هي محل تساؤل !

لنشجع أولادنا أن يتمسكوا بإيمانهم، ولنناقش معهم كل ما يمكن أن يفتح أمامهم أملاً جديدًا للمستقبل.. لنتحاور معهم عن الطرق العملية التي يمكنهم من خلالها أن يمارسوا الحب والاحترام للجميع؛ فمن خلال عيون المحبة نستطيع أن ننظر إلى ما وراء اختلافنا عن الآخرين. فالعقيدة والإيمان تُعطينا الهوية الشخصية، أما مصريتنا فهي تُعطينا القوة لنقوم ونبني بلادنا مع الناس. هذه دعوة لكل أسرة مصرية أن تبذل جهدًا مضاعفًا مهدفًا لإشراك أبنائنا في عملية التغيير بينما تولد أمتنا من جديد !



(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١ مارس/ آذار ٢٠١١)

Copyright © 2011 Focus on the Family Middle East. All rights reserve