Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 قبل ان تصبح قصة تحكي عنها

 

بقلم: سامي يعقوب

         في حياتنا، منذ بدايتها، نحاط بعدد كبير من الأشخاص الذين لابد أنهم لمسوا أرواحنا بشكل أو آخر، وشاركوا في تكوين شخصياتنا، سواء من الأهل أو الأصدقاء، من معلمات الحضانة أو أساتذة الجامعة، من قادة الكنيسة أو الذين شاركونا الخدمة والعمل لسنين طويلة، من الشخصيات العامة الذين نقابلهم أو نقرأ عنهم. لكني، مثل ملايين الأبناء في هذه الحياة، أجد أن أمي هي الشخص الأكثر تأثيرًا في حياتي. فمنذ يوم ولادتي وحتى يوم عبورها نهر الحياة إلى الشاطئ الأبدي، كانت أمي مصدر إلهام وتشجيع لي لم ينضب أبدًا.

       هناك الكثير من الأسباب التي تجعلني أرى أن أمي كانت امرأة غير عادية.. عندما أعود بذاكرتي للوراء، وأفكر في كل ما مرت به أثناء تربيتنا أخوتي وأنا، أشعر بالدهشة حقًا. لقد تخلت عن حياتها بشكل أساسي لتتأكد من نجاحنا في كل شيء. قلة الكاش في أيامها لم تمنعها عن أن توفر لنا دائمًا كل ما نحتاجه؛ فلم نكن نشعر بالتهديد عندما يتعلق الأمر بالأمور المادية. لقد استطاعت أن تطعمنا أنواعًا من الأطعمة والمخبوزات «هوم ميد».. "صناعة منزلية"، لازلت أفتقد حلاوة مذاقها بالرغم من مضي السنين! من صنع يديها ألبستنا ما كانت تسهر الليالي لتخيطه لنا بنفسها، وكان أشيك مما يعرض في محلات «شيكوريل» و«صيدناوي» في الستينيات من القرن الماضي! كانت خلاقة في التصميم والتنفيذ بدون أن تستعين بمجلات الأزياء العالمية (بوردا)، أو المحلية (حواء)، واللتين كان يأتي معهما «باترونات» سابقة الإعداد!

       مثل كل أبناء جيلنا، كبرنا أخوتي وأنا دون أن يكون لدينا بعض أشياء كنا نتمنى الحصول عليها، ولكن كان لدينا دائمًا ما نحتاجه لنكون أصحاء وسعداء. لقد استطاعت أمي بقدرة عجيبة عبر السنين أن تصنع شيئًا من لا شيء! ولما تقدمت في العمر، كنت أرى أجمل ما فيها، بعد وجهها الأسمر المشرق، يديها وقد بدا واضحًا عليهما آثار خدمة السنين.

       لم تتوقف أمي عن الإيمان بي، حتى في أكثر مراحل عمري عنادًا وفشلاً.. علمتني أن أكون شجاعًا في مواجهة الواقع، وأن أتمسك دائمًا بما أؤمن به. في الأيام التي كنت أستيقظ فيها وأنا أشعر بالإحباط، كنت أسترد عزيمتي على مواصلة السير للأمام عندما أرى في عينيها أنها لاتزال تؤمن بي. كانت تخبرني دائمًا أنه لا شيء ذو قيمة في الحياة يمكن الحصول عليه بلا تعب وبدون العمل من أجله؛ فالنجاح لا يُعطى للبشر مجانًا. وعندما كنت أعترض، كانت بهدوء تقول لي ستعرف فيما بعد قيمة هذه الحقيقة، والتي لم تتوقف عن تكرارها على مسامعي في أحاديثنا التي لم تتوقف أبدًا.. والآن أعرف أنها كانت على حق.

       نشأت في مجتمع تقليدي إلى حد ما، لم يتوفر فيه دائمًا ما كنت أحتاجه من دعم لأحلم للمستقبل؛ فقد بدت أحلامي للبعض خيالاً أو جنونًا. لكن الله أنعم عليّ بأم كانت تؤكد لي أن التحديات والصعاب جزء طبيعي من الحياة، وأن الاجتهاد وإعادة المحاولة لابد أن يقودا في النهاية لتحقيق الأحلام وإن تأخرت. لم تجعلني أشعر أبدًا بعدم الكفاية، ولطالما كانت تقول لي إنني لا أحتاج إلى التغيير لنوال رضا واستحسان الآخرين، بل لإرضاء الرب والسلوك بحسب وصاياه ومشورته.

       أمي أول شخص في حياتي عرفت معه قوة المحبة. أعترف أنني كصبي صغير لم يكن كل الأشخاص الذين كانت أمي تحبهم، وتهتم بهم، وتشترك في تسديد احتياجاتهم، يروقون لي. كنت أستغرب أن أراها تخرج عن المألوف وتتيح نفسها لخدمة الآخرين بتواضع وكرم تلقائيين، واستمرت تفعل ذلك بهدوء وإصرار طيلة حياتها.. فعلمتني كيف أحب بمثال محبتها العملي، وقدرتها العجيبة على عدم التحدث عن أي شخص بشكل سيئ. وهذا ما صنع كل الفرق في حياتي حتى اليوم.

       مثل غيري من الأبناء، أيًا كانت أعمارنا، يوقظ «عيد الأم» في داخلي ذكريات خاصة تغيب عني وسط زحمة الحياة. وبالرغم من أنني بطبعي لا أحتاج إلى وقت محدد لتشجيعي، إلا أنني أستمد من هذه الذكريات الكثير من الشجاعة، وأعود لأفكر في هذه المناسبة ليس فقط في أمي، بل وفي جميع النساء الرائعات اللاتي أثَّرن في حياتي: زوجتي ورفيقة حياتي، أخواتي، معلماتي في الابتدائي والإعدادي، وغيرهن ممَنْ ساهمن بقليل أو كثير في أن أكون ما أنا عليه اليوم. لقد ساهمن في نجاحي، رفعنني عندما فشلت، وشجعنني لكي أعرف إمكاناتي وأنطلق في الحياة بلا كلل أو ملل. أنا أحب كلاً منهن، ولا أشك في أنهن قد صنعن عبر السنين فرقًا في حياة أجيال بخدمتهن وتضحياتهن، ومثال حبهن غير المشروط.

       لا أستطيع أن أفتخر بأمي، وكل أم مثلها، أكثر من ذلك.. لكني أرجو أن تكون مشاركتي هذه موحية لك أن تعرف قدر أمك، وتحيطها بحبك ورعايتك، وتشترك في تسديد احتياجاتها، وتفتخر بها قبل أن تمضي عنك فتصبح مجرد قصة تحكي عنها مثلما أنا أفعل الآن.

 

 

Copyright © 2020 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.


مقالات ذات صلة:

 

طيف نسميه الحنين small

Perfectly Imperfect Being The Mom God Created You to Be small

محبة من نوع خاص small

 

 طَيف نُسميه الحنين

 

كاملة بكل ما فيكِ من نقائص 

 

محبة من نوع خاص 

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول